كنت ليلاً مع أمير المؤمنين عمر الفاروق ذي القدر المكين
صاحب الدرة ثاني الراشدين مَن به الله أعز المسلمين
فقووا حتى أذلوا المشركين
...
وإذا نار أضاءت سحرا قال يا أسلم قم ماذا أرى
علَّهم ركب يريدون القِرى فخرجنا وهو كالسهم انبرى
ودنونا من خِبَاء المصطلين
...
فإذا بامرأة قد نصبت قدرها بين عيال أعولت
ثم حيينا فردت واستوت قال هل أدنو فقالت إن أردت
فبخير أودع القلب الحزين
...
قال ما بال العيال تصرخ قالت الجوع وإني أنفخ
أُوهِم الصبية أني أطبخ علَّهم من بعد ذا أن يفرخوا
ويناموا حول قِدري جائعين
...
يالنار أُضرمت في الأضلع أحرقت قلبي وأجرت مدمعي
بيننا الله وبين الأصلع هاأنا من فرط جوعي لا أعي
بين نَوْح وصياح وأنين
...
قال يا أماه مَن أدرى عمر بك قالت ذاك أدهى وأمر
من تولى أمرنا لا يستقر ينبري للناس في قر وحر
يسمع الشاكي ويؤوي البائسين
...
وَيْ لعمري كيف يرعى وينام ليس هذا من قوانين الأنام
من سها عن نوقه جنح الظلام يتولى رعيها راعي الحمام
إنما هذا جزاء الغافلين
...
ولقد أصغى لها من غير ضيق وهو بالإصغاء للشكوى خليق
فمضى بي ذلك الشيخ الشفيق يسرع الخطو إلى دار الدقيق
وأتى منها بدهن وطحين
...
ثم قال احمل عليَّ قلت وي بل أنا أحمل قال احمل علي
قلت عفوًا قال هل منكم فتي يحمل الأوزار عني يا أُخي
يوم يُؤتى بي لرب العالمين
...
وسرى الفاروق خوف النقمة في الدجى يحمل قوت الصبية
وهو ممن بشروا بالجنة لا يرى في حمله من حطة
بل قيامًا بحقوق المسلمين
...
فمضى بي مسرعًا نحو الصغار فأتيناهم وهم في الانتظار
ولفرط الجوع بين الجنب نار في استعار ما لهم منها قرار
ورأونا فاشرأبُّوا قائمين
...
قالت الأم اصبروا قد جاءنا ذلك الشيخ بما فيه المنى
ولقد يسره الله لنا والأمير غافل عن حقنا
في كتاب الله بالنصر المبين
...
فدنا منها برفق وابتسام ودموع العين منها في انسجام
قال قومي هيئي هذا الطعام معنا إن اليتامى لا تنام
بالطوى والله خير الرازقين
...
رحم الله أبا حفص عمر وسقى بقعته صوب المطر
فلقد أبصرت أسلاك الشرر تلفح اللحية منه بالسحر
وهو مهتم بإنضاج العجين
...
قالت الأم وقد رُمنا القيام وتركنا عندها فضل الطعام
يا رعاك الله يا ساري الظلام تحمل الأقوات للغرثى الصيام
أنت أولى من أمير المؤمنين
...
قال إي يرحمك الله اعدلي واذكري خيرًا ولا تستعجلي
فإذا جئتِ الأمير فادخلى تجديني قاعدًا في المنزل
وعليَّ الجد في ما تطلبين
...
وتنحى عنهم مستترا رابضًا مربض آساد الشرى
وأنا أطلب تعجيل السرى فإذا هو مقبل مستبشرا
شاكرًا لله رب العالمين
...
قال يا أسلم قد أسهرهم قارس الجوع بل استعبرهم
ولذا أحببت أن أبصرهم في سرور وكذا غادرهم
فلقد ناموا جميعًا باسمين
...
هكذا كانوا عبيد الأمة لا غرانيق العلى والعزة
مزجوا شدتهم بالرحمة ولذا شادوا صروح الرفعة
ومضوا شرقًا وغربًا فاتحين